ليتك لم تتعلق!
أحسَّ جوعًا في نفسهِ! جفافًا في مناطق مظلمة من ذاتهِ.. قرّرَ أن يذيب الجليد الذي بناه، وأن يهدم الحاجز بينهُ وبين فطرته وفعلَ ذلك.
خاضَ أيامًا يحاول صِناعة صُدفةٍ، شارك في مجتمعات القراءة والكُتب، القهوة، الشاي، والأشجار وكل ما قد يجعله يتصل بذلك الجزء المفقود منه، وفي لحظةٍ وجدها! إشعار برسالة معلقة، أسرع وردَّ على تلك الرسالة.. تساؤل حول فكرة.. إجابة، ثم إنتظار، إجابة، ثم رسالة..وتوالت الرسائل، تحولت المحادثة الجديدة من الأفكار إلى شخوصها، من؟ أين؟ كم؟ متى؟ ماذا؟ توالت الأسئلة.. ويزداد القلبُ خفقانًا...
يخترعُ طُرقًا جديدة للمحافظة على استمرار تلك المحادثة، يبترُ جزءًا من الكلام قبل نومهِ ليكمله في الصباح، صباح الخيرِ ثم مساءه! ويزداد القلبُ مرةً تلو اخرى ..
في لحظةِ صفاء مع نفسه، يفتح الخريطة.. يبحث عن اسم مدينتها، يحسِبُ عدد الكيلومترات بينهُ وبينها، عدد ساعات السفر بالطيارة، بالسيارة.. كيف سيذهبُ إليها؟ هل سيأخذ أهله؟ أمه العجوز؟ أباه الذي سيرفض تمامًا ذلك؟ أم سيذهب وحيدًا إليها، ليثبت لها.. كم يريدها، يثبت لها أن حياته بدونها محض فراغ وكذب. وأنها أرضه وسماه وليله ونهاره! بها لا يكون كل ذلك، يخشى أن يطلب رؤيتها ويجرح عفتها. ويخجل من تلك الندوب التي رسمتها المراهقة وطيش الشباب وعوامل الدهرِ على وجهه!
يعيشُ في قلقٍ ماذا لو رفضتني، أو أبواها، أو الحياة، أو المسافة بيننا، كم بيني وبينها ليلة ونهار لأراها فيه، كم بيني وبينها معركة إثبات للرجولة والمسؤولية.. حتى أكون جديرًا بها.. خرقَ عفة قلبه، أحبها بكُل طاقته وجوعه، ولم يُراعي قلق المسافات واختلاف البيئة.. قلبهُ أصبحَ جزءًا لا يملكه من جسده.. قتلَ براءته، والآن أصبح غير صالحٍ للاستخدام.
كيف ستكون الحياة غدًا؟ عندما يكتشفُ حقيقة ذلك الوهم الذي كان يعيشه في تلك الكلمات مساءً وصباحًا، وتلك الأفعال التي كانت توقظ رجولته المعطلة، وتلك الهمسات التي جعلت من شخصًا واثقًا في نفسهِ وطبعه! "وجدت قلبًا فارغًا فملأته" هذا ما كرره منذ البداية! هل كانت تستحقُ ذلك الفراغ لتملأه؟ كيف ستكون عندما تجدُ نفسها داخل دائرة المقارنة مع كل فتاةٍ في واقعك وفُرص الإرتباط بينكما أعلى وأكبر وأكثر؟ كيف سيكون ذلك القلب وهو يتشطّر بين واقعٍ وخيال؟ وحقيقة وسراب؟ ماذا ستقول له حينها؟ "ليتني الجليد لم يذوب، ليت الحواجز لم تُهدم" ليتك لم تتعلق!