جوع الكلام (أقصوصة)
أقصوصة
كانت تلك المرة الأولى التي أقرر القراءة خارج مكتبتي، توجهتُ إلى مقهى قريب يُعرف بالهدوء.. بدأتُ القراءة في سيرة الشيخ الأكبر أبن عربي، كانت سيرة روائية تتحدث فيه عن تقلُّباته في الحياة بدءًا من صِباه.
أثناء القراءة المركّزة لمحتُ خيالًا أمامي أشبه بالشبح، رفعتُ رأسي كانت فتاة! تقفُ أمامي فجأةً.. لطالما كُنت خجولاً مع الفتيات، لذلك أقفُ في نهاية العشرينات من عمري دون أي مغامرة أو تجربة عاطفية مع أنثى. بقيتُ صامتًا أنظر لها.. قالت:
-تسمح لي آخذ الكتاب!…
تعجبتُ من هذا! وأسرعت تبدد حيرتي:
-أ.. أبي أصوّر! .
عجيب!!.. نعم نعم تفضلي قُلت..
أعادتهُ لي بعد دقايق وقد التقطت مئة صورة من كل الزوايا:
-اسم الكتاب جميل يتكلم عن أيش؟
قلت: أبن عربي..
-من أبن عربي؟
شيخٌ صوفي، هل تعرفين معنى الصوفي؟
-لا، هل مات وهو صغير؟
لا بل يقول إن الحب موتٌ صغير! وهذه فلسفة صوفية لا أظنكِ ترغبين بسماعها.. لكن الصوفي هو شخص يعيشُ نوعًا من السعي نحو التنوّر نحو البحث عن العشق الإلهي والحُب، يبحث عن إكتشاف ذاته في تصوّفه.. يمارس عدد من الطقوس، أحبَّ فتاةً أسمها نظام لكن القدر فرّق بينهما بعد أن تزوجها! تخيلي! يا ذات الوجه الحسن، إنكِ تشبهين مارلين مونرو هل تعرفينها؟
-لا
إجابةً سريعة، آه مارلين مونرو الشقراء الحزينة، أغتصبها كينيدي ولعبت بها المخابرات! ولكنها كانت حزينة وجميلة، كئيبة وجميلة.. راقصة وجميلة! لم يبقى رجل في عصرها ولا عصرنا هذا إلا وأحبها واشتهاها! لعنة الجمال.. لكن كانت غبية، انتحرت! قتلت نفسها.. يقولون أنها أُغتصبت حتى وهي ميتة! لعنة الجمال مرةً أخرى.. أنتِ جميلة أيضًا لكنكِ لستِ هي .. أنتِ ذكية كيف يجتمعُ ذلك مرةً أخرى؟ عمّا كنا نتحدث يا سندريلا الشاشة!
-سندريلا الشاشة؟؟
سعاد يا سعاد ألا تعرفينها؟ هي أيضًا حاولوا تجنيدها في المخابرات! انتحرت رمت بنفسها من الطابق السادس! يقولون أنها رمت بنفسها، كانت جميلة وطفلة لم يبقى عربيٌّ لم ينظر لها بنظرة شهوانية ثم انتحرت! لعنة الجمال مجددًا. عما كُنا نتحدث أيتها الفراشة الشقراء؟
-فراشة شقراء؟
آه تشبهينها أيضًا، في إيماءة عينيك، الأميرة الحزينة.. ديانا، أحبها كل العالم ولم يحبها الشخص الذي أحبته! هل رأيتِ كيف أن الحياة لا تكون عادلة أبدًا؟ هي أيضًا قتلوها، محبوها.. طاردوها .. طاردوا أسرارها.. حتى قتلوها.. ومع ذلك بقيت حتى الآن، نقول ديانا.. الشقراء ديانا، الأميرة، ذات النظرة القاتلة! كل الرجال تمنّوا نظرةً من تلك النظرات التي ترسلها ديانا ومع ذلك غادرت أيتها الجميلة! يبدو أنني عطلتك عن قهوتك، أو تصوير القهوة، جعلتنا الحياة بلا معنى.. لا نعرف طعم القهوة إلا بعد أن نصورها ونرسلها للجميع .. أهلاً أنا أشرب القهوة أحبوني رجاءً أنظروا إلىَّ كم أنا متحضّر وجنتلمان فأنا أشرب القهوة، ويقع بجوارها كتابٌ ليس لي! لكن أنظروا إلى أي مدى من التحضّر وصلت صرتُ نخبويًا أخيرًا ولستُ من الرُعاع أيُّها الرعاع!
-كلماتك مؤذية، أرفق بي!
أعتذر لعينيكِ الفاتنتين، فإنني وحيد وجائع إلى الكلام، نسيتُ كيف أتكلم، وكيف أخرج الأحرف من فمي.. جئتِ إلىَّ وأنا أحاول نفض بقايا أحرف أجلتها للقائي بشخص يرى فمي المتخيِّط، فيحاول فك تلك العقد، وقد فعلتِ أنتِ، أعلم أن الغاية من هذا كله هو أن تلتقطي صورةً لكتابي، آه كتابي نسيتُ عمّا كنت أتحدث عنه، هل كنتِ ترغبين بمعرفة فحوى الكتاب؟ هل لديكِ الوقت للحديث عن الصوفية؟ عن رسالة الذي لا يعوَّل عليه؟ والفتوحات المكيّة؟ عن التنسّك والعزلة! والترحال والدروشة.. كلماتٌ كثيرة وأحداث آلاف السنين لن تتسع لها طاولة في مقهى.. أعتذر عن إجابتك عن فحوى الكتاب.