هل نحن ذكرياتنا؟ أم مشاعرنا؟
هل نحن عبارة عن ذكريات؟ كل ما يؤثر في سلوكياتنا اليوم هل هي ذكرياتنا القديمة ومشاعرنا خلال تلك الذكرى؟
شاهدتُ مساء البارحة الجزء الأول من فيلم inside out والذي صدر له جزء ثاني هذا خلال الربع الثالث من هذا العام، وأثناء مشاهدتي له كان هناك تساؤل واحد يخطر في بالي.. هل نحن عبارة عن ذكريات؟ إذ يشرح الفيلم قضية المشاعر والدوافع بناءً على الذكريات، والتي عادةً نظن أنها سعيدة لمجرد أنها كانت في الماضي، حتى نستطيع أن نعطي المشاعر حقيقتها كالحزن على الشيء لنرى ما إن كانت تلك الذكرى سعيدة أم حزينة! والعيش في وهم السعادة لمجرد الذكرى لا يخلق إلا كآبةً قد تجعلنا نرفض الواقع هربًا إلى الماضي السعيد كما توهمنا مشاعرنا وذكرياتنا.
الفيلم يشرح فكرة ما وراء المشاعر، فهناك (فرح) المسؤولة عن إبقاء (رايلي) في سعادة و (حزن) التي تنوي إعطاء كل موقف طابع الحزن (وغضب) الذي يشعر أن كل موقف لابد أن يكون له موقفًا عدائيًا وساخنًا تجاهه و (الاشمئزاز) التي تصنف كل ماقد يثير الغثيان إلى مقزز و (خوف) الذي يحافظ على الأمان وتجنب كل ما قد يهدد أمننا.
بهذه الشخصيات، تعيش (رايلي) يومها، في تقييم كل موقف.. ويقع العبء الأكبر على (فرح) التي تحاول أن تجعلنا في سعادة دائمة، بظرافتنا وصداقتنا وصدقنا والعائلة والموهبة! وأن كل ذلك هو مصدر السعادة الوحيد لذلك تحاول الحفاظ عليه.. حتى تصطدم (رايلي) بواقع مختلف وتحدث معركة صغيرة يجعل كل من (فرح) و (حزن) في رحلة خارج المقر الرئيسي (دوافع رايلي) مما يقود الدوافع كلًّا من (غضب) و (خوف) و (الاشمئزاز) وهنا تأتي الكوارث إذ أصبحت السيطرة في يد من لا يستحقها.. فالإنسان الذي تقوده أفعاله ودوافعه العاطفية السلبية فحتمًا سيعاني من اتخاذ قرارات خاطئة! كهروب (رايلي) من المنزل!
في الجانب الآخر نجد أن (فرح) و (حزن) يجاهدان في العودة إلى المقر الرئيسي لإحكام السيطرة، إذ بدأت جزر الظرافة والصداقة بالإنهيار! وبذلك تكون مغامرة صغيرة، ومن أفضل المشاهد التي تحدث في هذه المغامرة، هو مشهد بكاء الصديق الوهمي لرايلي (بينغ بونغ) الذي أصبح في أرشيف ذكريات رايلي يتجول وحيدًا حتى تلتقي به (فرح) و (حزن) ليطلبا منه المساعدة على إيصالهما للمقر الرئيسي، لكنه يتفاجأ أثناء المغامرة بأن رايلي بدأت تتخلّى عنه وتنساه تدريجيًا حتى يذهب لمكبّ الذكريات التي تختفي للأبد، عندما كان يبكي على رمي مقتنياته المشتركة بينه وبين رايلي لمكبّ الذكريات، جلس ليبكي.. لتأتي (فرح) محاولةً إخراجه من هذا الشعور بتذكيره بأحداث سعيدة! لكنه لم يتجاوب معها .. فيما قررت (حزن) أن تحزنهُ أكثر بأن جعلته يعيش الحزن فعلاً عبر تخيل ماذا كان سيحدث لو لم تتخلّى عنه رايلي.. لنكتشف أن هذا الأمر كان ناجعًا تمامًا، مما جعله يخرج من هذه الحالة سريعًا ليتوجها جميعًا إلى قطار الأفكار!
وبهذا نكتشف أن الإنفعالات تجبرك على صبغ كل موقفٍ حزين أو مخيف بصبغة السعادة، مما يجعلك تعيش في وهم وانفصال عن واقعك، وأن الشعور بالحزن على كل شيءٍ محزن، والخوف من كل شيء مخيف، هو الشعور الحقيقي والذي قد يجعلك أكثر نضجًا وأسرع خروجًا من الانفعالات السلبية.
يكمل الفيلم الرحلة حتى يعودا لمقر القيادة، والتي تقود فيه (حزن) لأول مرة انفعالات رايلي التي يجعلها بعد ذلك أكثر تقبّلاً للواقع.. واندماجًا فيه، مما ينتج لنا ذكرى مختلطة بين الحزن والسعادة.. والتي ترسل لنا رسالة، أن الحياة في مرحلةٍ ما لا تكون سعيدة سعادةً كاملة، ولا حزينةً حزنًا كاملاً.. فهي مزيج بين سعادة وحزن، وخوف وغضب.. وبهذا نكمل حياتنا بـ (الم سعيد) أو (سعادة مؤلمة) لنتقبل واقعنا ونعيش فيه وفق معطياتنا وخياراتنا، نشود السعادة الكاملة، ليس إلا ضربٌ من الوهم الذي قد يجعل الضربةَ أقوى مستقبلاً..
لذلك في النهاية ظهرت الذكريات السعيدة على حقيقتها، كانت أحضان العائلة مواساةً للخسارة في مباراة الهوكي لرايلي.. فالسعادة هنا حضن العائلة، والحزن هو الخسارة في المباراة! وبهذا تكتمل الحياة. فقوة الشيء في رؤيتنا الحقيقة له.. كم منا (بينغ بونغ) لو أنه استطاع التعبير عن مشاعره بالبكاء؟ كم منا رايلي عندما تولّت (حزن) القيادة وأبكتها..
في نهاية الأمر، عش مشاعرك مهما كانت، لا ترفضها، ولا تقاومها، وعبر عنها.. ولا تتوهم أن الذكريات هي سعيدة/حزينة بل أنظر في جوانبها ستجد أن لها جوانبًا مغايرة ومعاكسة وممزوجة. وعش واقعك وتقبله مهما كان وأسعى لرؤية جوانب النور في الظلام.. والحقيقة في الوهم.