عن الوحش الجاثم فوق الصدر!
دائمًا ما أتجنّب الحديث عن المآسي الحقيقية في حياتي، والخيبات التي تتوالى عليّ! لا أشعر أن هناك رغبة للحديث عن ذكرى غير محببة، وأيضًا لا يوجد من يرغب بأن يسمع مآسيك إلا أن كان المعالج النفسي (الذي يتقاضى ٨٠٠ ريال في الساعة).. ولهذا لم أشعر برغبة بالحديث عن تلك التفاصيل المؤلمة، لذلك بقي هذا الوحش جاثمًا فوق صدري مادًّا جذوره في أعماقي.
دائمًا ما أتجاهله، رغم أنه يزورني في فترات متعددة عبر لكز جروحي مجددًا، وأواصل تجاهله.. كانت تلك طريقتي الأنجع لحل هذه المعضلة، منذ فبراير ٢٠٢١ والحرب بيننا سِجال، وهل آن الأوان للحديث عنه؟ لا أعلم تمامًا، فقد بدأتُ هذه التدوينة لأتحدث عنه! لكن ماذا أقول؟
أأتحدث عنه هو بذاته؟ أم سبب بقاءه جاثمًا؟ أم سبب وجوده أصلاً؟ أم فقط أحكي كيف يبدو شكله في النهار، وكيف يخيفني في كل ليلة؟ لا أعلم ماذا سأكتب عنه، إلا أنه يزداد تعمّقًا مع الأيام وقد ظننت أنه سيختفي.. كيف؟ لا أعلم أيضًا، ظننت أن إقامته مؤقتة، ترانزيت لا أن يبقى حبيسًا في صالة صدري دون تذكرة مغادرة.
بعد ثلاث سنين هل تقبلت وجوده؟ نعم ولا.. جزء من تقبلي له أنني أكتب عنه الآن، وجزء من رفضي أنني أكتبه ناقصًا.. يخاتلني بزيارته، مرةً وأنا في جماعة، ومراتٍ كثيرة وأنا وحدي.. لهذا أكره جدًا أن أكون وحدي! أهرب من تلك الوحدة عبر الانخراط في أنشطة لانهائية، ودوامات متكررة من علاقات ممزّقة أو صداقات مزيّفة، ومع ذلك يكرر الزيارة هذا الضيف الثقيل! تزداد جذوره عمقًا وتزداد أدوية القولون، تزداد جذوره عمقًا ويزداد شعوري بالتقزز والخيبة والألم الذي يستوطن أجزاءً من جسدي عوضًا عن ذلك الذي يلعب لعبته الخبيثة داخلي.
يبدو أنه يريدني أن أعقد هدنةً معه، أعترف بوجوده.. ويتوقف عن اطلاق النار. هل تنفع السياسية الآن؟ بعد أن خابت مساعي الأدوية والمعالجة النفسية التي قالت لي مؤخرًا: عليك أن تختار معالجًا آخر! وعلّلت ذلك بأنها بدأت تتعاطف معي وهذا التعاطف ينفي قسم ابقراط الذي تعهدت به قبل أن تنخرط في هذه الوظيفة! لقد توقفت تمامًا عن زيارة أي معالج نفسي بعد تلك المرة. يبدو أنني سأكون جنديًا وحيدًا يحارب عن بلدٍ لم يعد لي فيه موطئ قدم ولا حتى هوية.
هل نعقد هدنة أيها الوحش؟ تبتعد قليلاً عن صدري! وتجعلني أتنفس، وأعترف أخيرًا أنني خسرتُ حربًا كانت الخيبة السلاح الذي قتلني؟